Dark Light

يا مريم،
هل تعلمين ما معنى أن يحبك رجل حتى يصبح وجعك وجعه، وحتى يتنفس قلقك كما لو كان أنفاسه هو؟ كنتِ لي أكثر من حبيبة. كنتِ ابنةً تمنيت أن أصوغها بيدي من نور، وكنتِ الأم التي لم تلدني، والعالم الذي لم أجد فيه مأوى سواك. حين كنتِ تخبرينني أن ضغط أمك ارتفع أو أن سكرها هبط، كنتُ أرتجف كما لو حدث ذلك لأمي. لأنك كنتِ حياتي، وحين تدخلين حياتي، يدخل معها كل من يخصك، يصبحون عائلتي، ويصبح وجعهم وجعي.

لكن الكذب، يا حبيبتي، هو السكين التي لا يراها أحد وهي تنغرس في القلب. لم أخف منك حينها لأنني ضعيف، بل لأنني شعرت أنني أمام جرح سيكبر كلما ابتسمتِ لي. لم أتوقف عند كذبة صغيرة، لأنني حسبت أن قلبك لم يعتد بعد على صدقي. ولكن الحقيقة يا مريم أن من يملك مبدأ لا يكذب حتى على عدوّه، فكيف على من أحبه حتى الاحتراق؟

لقد كنتِ محاطةً بدائرة من الوجوه التي تسميها صديقات، وكنّ مجرد مرايا مزيفة. كنّ ينقلن لي كل ما تفعلينه. من وجهة نظركِ كان ذلك خيانة، أما من وجهة نظري فقد كان دليلاً على غيرتهن، لأنك امتلكتِ ما لم تملكه أيٌّ منهن: رجلاً أحبك بصدق، بلا أقنعة. كنتُ أستغل تلك الأخبار لا لأحاكمك، بل لأهذبك، لأصنع منكِ امرأةً تليقُ بحلمها الكبير. لم أتعامل معك كحبيبة فقط، بل كابنة. ومن يحب كأب، لا يذل ابنته أبداً. ولكنك لم تفهمي ذلك، وظننتِ أنني أريد أن أكسر كبرياءك. وما كنتُ يوماً أريد ذلك، بل كنتُ أريد أن أجعلكِ إنسانة تُغبط عليها.

لهذا كنتُ أغضب، وأفقد أعصابي، وأكسر يدي، وتنهار أعصابي، ويصيبني الذعر، لأن حبك لم يكن عندي شيئاً عابراً، بل كان حياةً كاملة. كنتُ أختنق بفكرة أن أخسرك، لأنك لم تكوني جزءاً مني، بل كنتِ كلّي كله.

واليوم، حين انتهت قصتنا، جاءني أولئك “الصديقات” أنفسهن ليخبرنني أنني كنتُ الأفضل، وأنك لم تستحقيني، وبدأ بعضهن يلمّحن أنهن يردن أن يأخذن مكانك. ولكنني يا مريم لستُ رجلاً تغريه الكلمات ولا العيون. أنا رجل له ذاكرة، ذاكرة مليئة بكِ أنتِ وحدك. لم تدخل امرأة إلى قلبي سواكِ، لم أُحب سوى مريم، ولم أرَ بعيني قلباً غير قلبها.

لكن، ما أقسى قدر الحب الصادق! دائماً يذهب من يحب بصدق إلى شخص لا يعرف معنى الصدق، ثم يرحل تاركاً خلفه خراباً لا يرمّم. والتاريخ يعلّمنا أن من أحب بصدق يُترك أولاً، ثم تُدرك المرأة، متأخرة جداً، أن خسارته كانت خسارة العمر. لكن عندها يكون قد تغيّر، وصار رجلاً آخر.

لذلك يا نساء العالم، إن وجدتن رجلاً أحبكن بصدق، فاصنعن المستحيل كي لا تخسرنه، ولا تجعلوا الغرور أو كبرياء الأصدقاء الوهميين يسرق منكن العمر. فهناك خسارات، إن وقعت، لا يعوضها كل ذهب الأرض، ولا تسدها قلوب الآخرين.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Related Posts