Dark Light

في تلك الليلة، حيث بدا العالم لي وكأنه انكمش في قبضة يدي، شعرت بأنني أُسقِط كل شيء عظيم داخل نفسي. وصلت إلى أعتاب الألم، ذلك الألم الذي لم أعهده من قبل، كأنه ولادة جديدة، لكنها ولادة إلى عالم بلا ألوان، بلا ضوء. البارحة… كانت أقصى مراحل الألم التي اجتزتها في حياتي. شعرت للحظة أنني على وشك أن أفقد كل شيء. لكن “كل شيء” في حياتي هو شخص واحد… شخص واحد فقط، ولكنه كل عالمي، كل تفاصيل روحي، كل امتداداتي نحو النجاة.

أغلقت الهاتف بخفوت، كانت تسألني إن كنت بخير. قلت لها إنني سأخلد للنوم، ولكني كذبت. لم أكن أريد أن أترك الحزن يتسرب إلى ملامحها، ولا القلق يأسر قلبها الذي لطالما كان أكثر رقة من زهرةٍ تفتحت على ضوء القمر. نزلت إلى ردهة الفندق بخطوات ثقيلة، أبحث عن شيء، أي شيء يوقف هذا الموت البطيء الذي يأكلني حيًّا. شعرت أنني أذوب في لُجَّة من الغياب، أن روحي تترك جسدي ببطء قاتل، لا مفر منه.

مشيت بلا هدى. كل زاوية صارت شاهدة على وجعي. بحثت عن منقذ، عن عابر يحمل في عينيه قبسًا من الحياة ليشعل ما انطفأ في داخلي. ذهبت إلى حانة ملأها الضجيج، حيث يرقص العالم بلا مبالاة، بينما في داخلي كانت صحراء موحشة. وقفت هناك خالي اليدين، ليس في يدي كأس، ولا في قلبي رجاء. فقط أطلقت صرخة، صرخة بحجم الكون، صرخة حتى انبح صوتي، وكأن الكون بأسره توقف لينصت لوجعي. الصراخ كان ملاذي الأخير، الحبل الذي تشبثت به في اللحظة التي كنت أغرق فيها.

أسأل نفسي كل يوم: كيف أحببتها بهذا الشكل؟ كيف تسللت إلى خلاياي، إلى أعماقي، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من كياني؟ أحببتها، يا قلبي، بطريقة لا يستطيع أبويها أن يضاهياها. أحببتها كمن يعيد صياغة الحب نفسه ليصبح أكثر سموًا وأشد نقاءً. تمنيت، لوهلة، لو أن هناك من أحبني بربع هذا العشق الذي منحته إياها، لكنني أعلم أنها تستحقه. بل وأكثر.

مريم… يا مريم، أنتِ ليستِ مجرد امرأة، بل معجزة خلقت لتعيد ترتيب العالم في نظري. أنتِ القدر السابع والسماء الثامنة، المرفأ الذي أجد فيه نفسي حين تضيع البوصلة. أنتِ المحيط الأكبر، الذي كلما غصت في أعماقه، اكتشفت أنني لم ألامس سوى السطح. أنتِ الشمس الباردة التي تناقض قوانين الكون، تضيئين حياتي، ولكن دون أن تحرقيني.

يا مريم، أنتِ الحياة التي كنت أجهل أنني أبحث عنها، والموت الذي أخشاه أن أفقده. أنتِ كل شيء، وأي شيء بدونكِ… لا شيء.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Related Posts