لماذا، يا مريم؟ لماذا، يا حبيبتي؟
كيف لامرأةٍ مثلك، كانت لي وطنًا وسكنًا، أن تجعل من الثقة مجرد فقاعة صابون، شفافةً، هشةً، لا تحتمل أدنى نسمة هواء؟ كيف لقلبٍ أودعته روحي أن يعامل حبي وكأنه شيء عابر، وكأن ما بيننا لم يكن يومًا قدرًا مكتوبًا، أو قصةً نسجتها السماء لنا وحدنا؟
أتعلمين، يا مريم، كم ضحيت لأجلك؟ كم حلمتُ بحياة أنتِ فيها البداية والنهاية؟ كم من ليالٍ سهرتُ فيها وأنا أخشى أن ينطفئ هذا الحب، كما تنطفئ الشموع حين تغدرها الريح؟ لقد نذرت لكِ حياتي، بكل تفاصيلها، بكل نبضةٍ في صدري، بكل فكرةٍ في رأسي، بكل حلمٍ رسمته في خيالي. لم يكن في قلبي متسعٌ لسواكِ، ولم يكن لعينيّ وجهةٌ إلا إليكِ، وكأن العالم من حولي قد صار مجرد لوحةٍ باهتة، لا يظهر فيها إلا طيفكِ وحدكِ، يشع نورًا، ويمتلئ سحرًا.
أحببتكِ كما لم أحب امرأةً من قبل، بل كما لم يُحب رجلٌ امرأةً في تاريخ العاشقين. جعلتكِ أميرةً تتوجها روحي، يلمع اسمكِ بين حنايا صدري كنجمةٍ خُلقت لتضيء ظلمتي. كنتِ لي الحياة، كنتِ روحي التي تسري في شراييني، كنتِ قصيدتي التي لم يكتبها شاعرٌ قبلي، وأمنيتي التي لم يجرؤ أحدٌ على تمنّيها من قبل.
فلماذا، يا مريم؟ لماذا لا تشعرين بحبي؟
أما زلتِ تجهلين أن أفعالكِ تقتلني ببطء؟ أما زلتِ لا تدركين أن الحب لا يموت بسيفٍ واحد، بل بطعناتٍ متتالية، بجرحٍ هنا وكلمةٍ هناك، بصمتٍ قاتلٍ في اللحظة التي كنتُ فيها في أشد الحاجة إلى صوتكِ؟ كل مرةٍ تبتعدين، ينهار في داخلي شيء، وكل مرةٍ تتجاهلين مشاعري، ينطفئ في قلبي ضوء. إنكِ، يا حبيبتي، بيديكِ تذبحين هذا الحب شيئًا فشيئًا، حتى أكاد أخشى أن يأتي يومٌ أستيقظ فيه فلا أجد له أثرًا في داخلي.
وذلك، يا مريم، هو أكثر ما يخيفني… ليس الفراق، ليس الرحيل، بل أن يتوقف قلبي عن حبكِ، أن أستيقظ ذات صباح ولا أجدكِ تملكين نبضي، أن أنظر إلى صورتكِ فلا يهتز داخلي، أن يمر اسمكِ في حديث عابرٍ دون أن ترتعش روحي…
يا الله، كم يبدو هذا مرعبًا!
لقد كان حبكِ أجمل ما حدث لي، أعظم ما امتلكت، وأقدس ما شعرت به، ولا أريده أن يُنتزع مني، لا أريد أن يصبح مجرد ذكرى أخرى في دفتر الأيام، لا أريد أن أتحدث عنكِ وكأنكِ ماضٍ، وأنتِ كنتِ دائمًا مستقبلي.
كوني لي، يا مريم، وسأكون لكِ كل العالم… سأكون لكِ الوطن، والحضن، والأمان… سأكون لكِ الرجل الذي لم ولن يحب امرأةً سواكِ.