Dark Light

آآآآه يا مريم… لو تعلمين كم مرة حاولت، كم مرة أعدت بناء نفسي من تحت أنقاض جروحي لأجل أن أظل معكِ، كم مرة التهمتُ خيباتي بصمت كي لا تري ملامح انكساري… لو سألتِني عن عدد المرات، لما استطعتُ إحصاءها، فكيف بكِ أنتِ؟

أحببتكِ منذ اللحظة الأولى، منذ أن عبرتِ إلى عالمي دون استئذان، منذ أن نطق اسمكِ قلبي قبل لساني. كنتُ أزداد عشقًا لكِ مع كل يوم، حتى صار حبكِ يوازي أعمارًا من العشق بين أي عاشقين. لم يكن حبًا عابرًا، لم يكن انجذابًا، لم يكن شغفًا مؤقتًا… بل كان ولادة جديدة لي، كنتِ أنتِ الحياة التي لم أعرفها قبل أن ألتقيكِ.

ورغم كل هذا، كنتُ أعاني! لم يكن حبي لكِ طريقًا مفروشًا بالورد، بل كان طريقًا مليئًا بالأشواك، كنتُ أدوسها بقدمي العاريتين وأبتسم لأنكِ هناك، تنتظرينني في نهايته… لكنكِ لم تكوني تنتظرين، كنتِ تراقبينني فقط، ترين كيف أنزف، كيف أُجرَح، كيف أتهالك، ثم تبررين كل شيء بمفاهيمكِ الخاصة، وكأنني قطعة من زمنكِ لا تعنيني التفاصيل فيها.

كنتِ تلقين عليّ حجارة “اختلاف الثقافة”، “الانفتاح”، “العادات”، حتى تهشمتُ تمامًا، حتى لم أعد أعرف نفسي حين أنظر في المرآة، حتى فقدتُ ملامحي الأصلية وبتُّ مجرد ظل لرجل كان يومًا ما قويًا.

كنتِ تقولين إن كلمات مثل “بيبي” و”عزيزي” عابرة في لهجتكم، تُقال بلا حساب، بلا معنى، لكنني لم أصدقكِ، ليس لأنني أريد أن أكون متملكًا، بل لأنني كنتُ أعرف حقيقتكِ أكثر مما تعرفينها أنتِ. كنتُ أعرف أن هناك فرقًا بين الكلمة التي تُقال للجميع، والكلمة التي تخرج من القلب. كنتُ أرى خلف مبرراتكِ، خلف قصصكِ التي لم تكن تقنع حتى صاحبها، لكنني كنتُ أصمت، ليس ضعفًا، بل لأنني كنتُ أحبكِ حدًّا يجعلني أغفر، حدًّا يجعلني أؤمن بأنكِ ستتغيرين من أجلي، يومًا ما…

لكن اليوم أدركت أن ذلك اليوم لن يأتي أبدًا.

سألتُ امرأة تونسية لا تعرفني، لا تعرفكِ، لا تعرف قصتنا، سألتها بعفوية عن أمور كنتِ تدعين أنها طبيعية، فجاءت إجابتها كصفعة على وجهي، كإقرار أخير بأنني لم أكن يومًا مخطئًا، بأنني لم أكن أفسر الأمور كما أحب، بل كنتُ فقط أرى الحقيقة العارية التي كنتِ تحاولين طمسها.

كل هذا كان يمكن أن يُمحى لو جلستِ معي مرة واحدة، جلسة صدق، جلسة حب، جلسة اعتراف نغلق فيها باب الأخطاء ونفتح أبواب النقاء، لكنكِ لم تفعلي. كنتِ تفضلين أن تبرري، أن تدافعي، أن تصري، حتى صرتِ سجّانة لحبنا بدلًا من أن تكوني شريكة فيه.

والآن، بعد كل هذا، أخبريني يا مريم… من سيحبكِ كما أحببتكِ؟ من سيغفر لكِ كما غفرتُ؟ من سيبقى رغم كل شيء كما بقيتُ؟

إن وجدتِه، أخبريني… سأقضي حياتي أصلي لأجله، سأقدس اسمه كما قدستُ اسمكِ، سأحني رأسي امتنانًا لأنه استطاع أن يفعل ما لم يعد باستطاعتي فعله…

لكنني وأنتِ نعلم، في أعماقنا، أن هذا الرجل لن يوجد أبدًا.

الوداع يا مريم… الوداع يا حبيبتي وأبنتي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Related Posts