كان كل شيء قد انتهى قبل أن يبدأ، ومع ذلك، كنت أشعر أن النهاية لم تكن سوى بداية أخرى، بداية أكثر وحشية، أكثر قسوة، وأشد ظلمًا مما تخيلت يومًا. في تلك الليلة الأخيرة، جلستُ وحدي أمام نافذتي، أراقب المدينة التي كنت أنتمي إليها ذات يوم، المدينة التي عشتُ فيها تفاصيل قصتي، واليوم أصبحتُ غريبًا عنها، كأنها ترفضني أو كأنني أنا الذي أرفضها.
في رأسي، كان هناك ضجيج صامت، أفكار تتساقط كأوراق الخريف، بعضها يصرخ بي، وبعضها يهمس، لكن صوتكِ يا مريم كان الأعلى بين كل الأصوات. كنتِ هناك، تتجولين في ذاكرتي كما كنتِ تتجولين في حياتي، بخفة، برشاقة، دون أن تدركي أنكِ كنتِ تسيرين على أرضٍ هشة، على قلبٍ لم يكن يومًا صلبًا كما ظننتِ.
ها أنا اليوم أتهيأ للرحيل، للهرب من كل شيء كان يذكرني بكِ، أستعد للعيش في مدينة دبي، المدينة التي لا تنام حتى وإن خبت أنوارها، كقلب فقد نبضه لكنه لا يزال يرفض أن يموت. ليس الأمر مجرد هروب، بل إعادة كتابة للمصير، صنع حياة جديدة، حياة لم يسبق أن حلم بها أحد، ليس لأنني أبحث عن المجد، ولكن لأنني أبحث عن نفسي التي خذلتُها يومًا حين وهبتُها لكِ دون أن تطلبي.
أتذكرين كيف كنا؟ كيف كنا نضحك كأن العالم خلق لنا وحدنا؟ كنتِ معي عندما كنتُ أملك كل شيء، لكن عندما انهارت حياتي، كنتِ أول من غادر. لم تقولي شيئًا، لم تبرري، فقط نظرتِ إليّ بعينيكِ الباردتين وقلتِ: “لنبقَ أصدقاء”.
ما هذا الهراء؟ أي نوع من الصداقة يُبنى على ركام الحب؟ أي نوع من الصداقة يأتي بعد أن يسقط أحدهم في الهاوية بينما الآخر يقف على الحافة يراقبه دون أن يمد يده؟ لكنني لم أسألكِ، لم أُظهر لكِ أنني فهمت، لم أظهر لكِ أنني رأيتكِ على حقيقتكِ. تركتكِ ترحلين، ليس لأنني لم أهتم، ولكن لأنني أردت أن أرى إلى أي مدى يمكن لشخصٍ أن يكون بلا قلب.
وها أنا اليوم أستعيد كل شيء، أستعيد نفسي أولًا، أستعيد كرامتي، أستعيد الحياة التي كنتُ أظن أنني سأعيشها معكِ، ولكنني سأعيشها وحدي، وربما سأجد امرأة أخرى، امرأة أكثر ذكاءً، امرأة تعرف معنى الحب ولا تبيعه بثمن بخس عند أول اختبار، امرأة سأختارها بعناية، لأنها ستكون جديرة بالعالم الذي سأبنيه.
هل تعلمين ماذا فعلتِ بي؟ أتظنين أنني بكيت، تحطمت، فقدتُ الأمل؟ لا، يا مريم، لقد أقمتُ حربًا، حاربتُ كل شيء، نفسي، شكوكي، خيبتي، قاتلتُ وانتقمتُ من العالم، واليوم أنا أقف فوق كل شيء كنت أظنه مستحيلًا. لم تعد الهزيمة تعرف لي طريقًا، لم يعد الماضي قادرًا على أن يمسك بي، واليوم، في هذه اللحظة، أشعر بقوة لم أشعر بها من قبل، أشعر أن القدر كان حليفي منذ البداية، وأنني لو لم أخسركِ، لما ربحتُ نفسي.
اليوم، أنا سيد عالمي، سيد أفكاري، أصنع قراراتي بنفسي، أقف بين صناع القرار لا كشخص عادي، بل كرجل يعلم ما يريد ويأخذه. وأقسم لكِ يا مريم، أقسم لكِ أنكِ ستبكين يومًا، ليس لأنكِ تحبينني، بل لأنكِ ستدركين أنكِ كنتِ بجوار رجل لم تفهميه، رجل لم يكن له مثيل، رجل لم تمرّي بمثله في حياتكِ، ولن تمرّي.
اذهبي لصديقاتكِ، للرجال الذين يحيطون بكِ، أولئك الذين لا يبحثون سوى عن لحظات عابرة، عن متعة سريعة، عن علاقة بلا معنى. سيأتي يوم تدركين فيه أن لا أحد يراكِ كما كنتُ أراكِ، أن لا أحد يسمعكِ كما كنتُ أسمعكِ، ستنظرين إلى المرآة وتدركين أن الوقت خانكِ، وأن الأيام سلبتكِ ما كنتِ تظنين أنه يدوم.
وحينها، ستتذكرينني، ستبحثين عني، ولكن حين تصلين، لن تجدي سوى عالمًا مغلقًا، عالمًا صُنِع بعد أن رحلتِ، عالمًا لم يكن لكِ فيه مكان. هذا أنا، وهذه هي النهاية التي لم تتخيليها يومًا، اعرف كيف تفكرين .. تضنين انني سوف اعود اليك واطلب منك ان نعود لبعضنا ولكن هذا مستحيل، ان كرامتي اهم من الحب ومن الذكريات … مستحيل .. بل من سابع المستحيلات ان يحصل ما تفكرين به